"وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"

إنَّما البرُّ اصطفاء ...
إنَّ الله يُهيِّئ لكُلِّ مُهمَّةٍ أكفّاء يحملون على عاتقهِم هذه المُهمَّة بكُلِّ صدقٍ وحُبٍّ وإتقان يبتغون فيها وجه الله سبحانه وتعالى.
لمّا كان للرِّسالة من مَشاق وصِعاب اصطفَى الله أنبياءه لحملِها وتبليغ الأمانة، وكذلك هيَّأ الله عُلماء أمناء وأصحاب عقول لحمل أمانة العلم وتعهّدها.
وكذلك الحال في برّ الوالدين يَصطفي الله هذا الإبن أو الإبنة لهذه العبادة أكثر من إخوته ليكون ذلك العكّاز الذي يتَّكىء عليه الأبوين وتلك البسمة التي ترتسم على شفاههم وتلك اليد الحانية في وحدتهما، فتكون دعوة لا تفارق شغافَ قلوبهِم.
بني رفقا بوالديك وقولا لينا ...ألم تشعر يوما ما بقسوتك في التعامل معهما وهما اللذان سهرا على تربيتك والإحسان إليك ....
فإذا كان الرفق مطلوب مع الآخرين فهو مع الوالدين أوجب و أولى بل إن التأفف في وجههما إثم وقطيعة وجريمة ...
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان فأحسن صحبتهما وأرفق بهما فانهما باب من أبواب الجنة ...
أبني هل سمعت بوصيته تعالى لك في قوله جل وعلا : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا "
إنها وصية الله لك من فوق سبع سماوات ... من كتاب الله جل وعلا ...
هاهما بجوارك قد بدأ المشيب إليهما واحدودب منهما الظهر وارتعشت الأطراف لا يقومان إلا بصعوبة ولا يجلسان إلا بمشقة أنهكتهما الأمراض وزارتهما الأسقام فعليك بالبر والإحسان ولا تبخل عليهما بمالك وجهدك وحسن خلقك وطيب معشرك يا رعاك الله ...
"وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا".